الأحد، 4 يونيو 2017

لوحات أيوب حسين ذاكرة الألعاب الشعبية

لوحات أيوب حسين ذاكرة الألعاب الشعبية



كانت الفنون الشعبية مصدر إلهام للفنانين الكويتيين وإبداعهم التشكيلي في مختلف المراحل أمثال سامية السيد، عمر عبدالله القصار، عيسى صقر وغيرهم. إلا أن أيوب حسين يعتبر الرائد المتميز في الاهتمام بالبيئة الكويتية.
قدم أيوب حسين لوحات تعتبر مرجعاً أساسياً في حفظ التراث الشعبي ودراسته وأرشيفاً وطنياً للفولكلور في الكويت، خاصة أنه أتبع هذه اللوحات، التي أمضى حياته في صنعها، بسلسلة من الكتب والاصدارات مدوّناً فيها أحوال الناس ونشاطهم وعاداتهم الخاصة والاجتماعية واعيادهم واحتفالاتهم.
معروف أن الفنون الشعبية ترافق الإنسان في لحظات حياته وهي ابداع مستمر منذ طفولته حتى وفاته، تعبر بصدق عن الأمة وتكشف عن شخصيتها منذ اللحظة الأولى لولادة الطفل وحتى مراحل حياته المختلفة. لوحات الفنان أيوب حسين شكلت مصدرا مهماً، بل الوحيد للتعرف إلى الألعاب الشعبية القديمة التي كان يبدعها الأطفال لتضفي عليها البهجة. فهي فرحة واعية تؤكد وجودهم بفاعلية وتقدم صوراً لبعضها وشرحاً مبسطاً لها، خاصة بعد اندثار هذه الألعاب تماماً أمام زحف الحياة الحديثة وألعاب البلاستيك وبازلي وفيديو جيم التي تقتحم حياة أطفالنا بلا رحمة أو مراعاة لكثير من الأمور التربوية الصحيحة.
الألعاب الشعبية كثيرة ومتعددة الاتجاهات، تلائم الأولاد ويطلق عليهم (الصبيان) أو (اليهال) أو (البزور) مثل ألعاب المقصي - حلت - بوسبيت - أمها وأبوها - صفروك والتي تلعب ليلا - والبلبول - اللومية وسحيب سحيب وغيرهان، أما الالعاب الاخرى التي تتناسب والبنات أو (البنيات) مثل ألعاب: هبيلة وهبيلة - فكنا حكو - الخبصة - طرباش لوماش والشروكة وغيرها.
لهذه الالعاب قواعد وأصول، بعضها يلعب في الليل، خاصة في رمضان والليالي القمرية. والغالبية نهاراً ولبعضها شروط تفرض على مكان اللعب. كما يختلف بعض الالعاب تبعا للمناسبات والمواسم وفي أحيان اخرى تختلف اللعبة نفسها من جيل الى جيل ومن حي الى حي ومن بدو إلى حضر. وبعض هذه الالعاب يرافقه غناء وأقوال، خاصة العاب البنات مثل لعبة احدية بدية (حادي بادي) فحين تبدأ إحداهنّ في لمس ايادي البنات التي على الارض تردد: «احريد بدية، ناصر دية، حط الكوار، على الزنبور يا كناص كوم اكنصو شبط خيلك شبطها». هكذا حتى تقف عند الكلمة الاخيرة فتكون صاحبة هذا الكف هي الجانية ويوقع عليها عقاب تحدده هي قائلة: «تبي كرصة الحية لو كرصة العقرب؟».
لعبة المقصي
يلعبها الصبيان بعد ان انقسامهم فريقين متعادلين ومتكافئين، كما في لعبة الهول أيضا ويختار كل فريق الأشهر والممتاز في اللعبة. وبعد مجاورة سجالية يختار ممن يعتمر عليهم ويترك المجال لميله ايضا ثم يختار ثانية وثالثة حتى تنتهي المجموعة.
يبدأ الفريق الفائز بالقرعة اللعب فيقف رئيس المجموعة قرب حفرة عمقها 15 سم في الارض (الكور) ويرمي قطعة من الشخب مدببة الطرفين عمقها 15 سم (المقصي) بعيداً ثم يسأل عضواً من أحد الفريقين عن الكلمة التي يختارها (الله أو سيفه) فيقول (الله) مثلا ثم يقوم الرئيس بتقليب عصاته الكبيرة التي تبلغ نحو 60 سم (المطاعية) ويحضر احدهم المقص ويضعها في الحفرة (الكور) بحيث يرتفع طرفه الاعلى ثم يضربه بخفة بالمطاعة فيرتفع قليلا وقبل ان ينزل يضرب المقصي ضربة قوية تجعله يبتعد كالطائر في الهواء حيث يكون في استقباله جميع أعضاء الفريق الثاني الموزعين على اطراف المنطقة المحتمل النزول فيها ويحاول كل منهم تلقفه في يده او دشداشته فإذا لقفه أحدهم فاز فريقهم بنقطة وإن فشلوا تحسب نقطة واحدة للفريق الآخر.
البروي
من أفضل ألعاب البنات ألعاب (البروي) وتحتوي هذه على أعمال متعددة ومشغولات مختلفة يقضين معها وقتاً طويلاً ربما نسين أنفسهن بالاندماج فيها وتعتمد على التمثيل والمحاكاة ولها اثر كبير في تربية البنات فمن خلالها تتعلم البنت كيف تتعامل مع الآخرين وتتحلى بالعادات الطيبة والصفات الحميدة من حسن رعاية شؤون الاسرة والتدبير المنزلي وتتعود على الرقة والعطف والحنان والاحساس بالمسؤولية.
تأتي البنات بصندوق من الخشب أو المعدن (التنك) كأنه بيت أو غرفة أو يقسم عدة غرف ويجهزنه بالمفروشات من سجاد ومساند وصناديق وأواني الطبخ والغسل ويرتبن البيت وينسقنه ويصنعن بعض الدمى الصغيرة كالعروس والمعرس والأم والأطفال والصديقة الجارة ويستخدمون المخلفات من الأقمشة والخيوط والعلب الفارغة والأعواد والقواقع والأصداف في تشكيلاتهم وتبدأ البنات في مخاطبة هذه الدمى وتمثيل أدوارهن في المناسبات وكل ما يتعلق بدورهن الأسري من عناية بالأطفال وزيارة الجيران والذهاب للتسوق وحالات الفرح أو الحزن مبدّلات أصواتهن ومقمصات شخوص راشدة من الحياة الواقعية.
من ألعاب البنات الرشيقة عندما يرسمن خطاً بعيداً عنهن على الأرض ويجلسن على أطراف أصابع أرجلهن واضعات أيديهن على خصورهن ثم يقفزن نحو الخط مرددات: «خكناخكو - سلط على مكو - حتى يصلن إلى الخط وثمة من تصل أولا أو ثانياً أو ثالثاً إلى الخط».
ساهمت هذه الألعاب الشعبية في التغلب على مشكلة وقت الفراغ في تلك الأزمنة وليست هذه بالمشكلة اليسيرة فإذا نجح الطفل في الوصول إلى حلّ لها تجنب بعضاً من الأزمات النفسية وتحقق له نوع من الاستقرار والاتزان النفسي لما يمضي من أوقات مستمتعاً باللعب. ذاك يخلق أجيالاً سوية سعيدة تعرف معنى الاندماج وتتعامل بروحية رياضية سمحة. كما تساهم هذه الألعاب في تنمية استعدادات الأطفال وتوجيههم نحو الوجهة الاجتماعية السليمة والسلوك الطيب البعيد عن الانانية ونحو كيفية كسب الصداقات بحسن التعامل مع الآخر وتنمية شخصيته الواثقة وتوطيد صلته بأقرانه المشاركينه في هذه الألعاب وتنشأ الألفة والرحمة فيما بينهم متجاوزين الفرقة والعزلة.
أيوب حسين الأيوب، مواليد الكويت عام 1932. أحد رواد الفن في الكويت بعد تخرجه من صف المعلمين في المدرسة المباركية عام 1949 عمل في عدة مناصب في وزارة التربية منذ 1949حتى 1980، مدرّساً ثم وكيلاً ثم ناظراً وأقام سبعة معارض منفردة في الفترة بين 1974 و 2004 وتدور جميعها حول البيئة الكويتية القديمة. وفي المجال نفسه أصدر خمسة مؤلفات شعبية تراثية منها كتاب «مع الأطفال في الماضي» ونال جائزتي الدولة التشجيعية عام 1997 والتقديرية عام 2001 في مجال الفنون التشكيلية.
أصدر له مركز البحوث والدراسات الكويتية مجلداً (600 صفحة) يضم أعماله الكاملة منذ بداياته في الخمسينات حتى عام 2002 تحت عنوان «التراث الكويتي في لوحات أيوب حسين الأيوب». يقتني الشعب الكويتي مؤلفاته، كذلك المؤسسات الأهلية والحكومية ومتحف الفن الحديث.
المصدر
http://www.aljarida.com/articles/1461358753361859900

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق